الثلاثاء، 4 مايو 2010

البداوة والحضارة في عيون ابن خلدون






ا ختلاف حال الأجيال ينشأ باختلاف أعمالهم وهو ما أسماه ابن خلدون(اختلاف نحلتهم في المعاش)


- وهو يقرر أن الإنسان اجتماعي بطبعه ويجتمع مع الآخرين للتعاون فيما بينهم للحصول على الضروري في حياتهم قبل أن يتدرجوا في الوصول إلى ما هم بحاجة إليه زائد على الضرورة ثم يصلون لمرحلة طلب ما هو كمالي بالنسبة لهم، وهو بذلك يقول أن الإنسان يسعى للحصول على الضروري ثم يحاول الحصول على ما يحتاجه دون ضرورة ملحة ثم يتطور للحصول على الكمالي في المرحلة الأخيرة.






- قسم التجمعات الإنسانية إلى قسمين بدو وحضر ثم قسم البدو إلى عدة أقسام حسب أعمالهم وما يتوفر بأيديهم فمنهم من يعمل بالفلاحة من غراسه وزراعة وهم سكان القرى والجبال واستقرارهم أكثر من ترحالهم (وهم عامة البربر والأعاجم).


ومنهم من يعمل برعي المواشي من غنم ومعز وبقر وهم رحالة غالبا خلف الماء والكلأ فالترحال أصلح لحالهم من الاستقرار ويطلق عليهم (الشاوية) حسب لفظ ابن خلدون لكنهم رغم ترحالهم لا يبتعدون كثيرا ويتوغلون في الصحاري لعدم وجود المراعي داخل القفار(مثل التركمان والترك والأكراد والصقالبة).


ومنهم من يعمل برعي الإبل وهم أكثر ترحالا وتوغلا في الصحاري والقفار لأن الإبل لا تستغني عن أشجار الصحاري ونباتها إلا أنهم يتقلبون في الشتاء من وسط الصحاري إلى أطرافها فِرارا من أذى البرد ولذلك هم أشد الناس توحشا وهم بالنسبة للحضر بمقام الوحش غير المقدور عليه(هؤلاء هم العرب ومثلهم رحالة البربر والأكراد والتركمان والترك بالمشرق)، إلا أن العرب أشد بداوة لأنهم مختصون بالإبل فقط أما البقية من بربر وأكراد وتركمان وترك فهؤلاء يرعون الماشية من بقر وشياه.






وهؤلاء من زُرّاع ورعاة تجبرهم طبيعة أعمالهم أن يكونوا بالبادية لاتساعها للزراعة والرعي وهو مالا تتسع له الحاضرة، وبهذا يكون اجتماعهم للتعاون فيما بينهم لتلبية الضروريات لما يحفظ حياتهم ويكفل لها الاستمرارية دون أن يحصل لهم زيادة فوق الضروريات للعجز عن ذلك.






وفي مرحلة لاحقة تتسع فيه أحوالهم ويحصل لهم فوق الحاجة من غنى ورفه وهذا ما يدعوهم للسكون والدعة (الاستقرار) والاستكثار من القوت والملبس والتأنق والسعة في البيوت واختطاط المدن والأمصار للتحضر.






وفي مرحلة لاحقة تتسع فيه أحوالهم أكثر فأكثر ويزيد الرفه والدعة فينعكس ذلك على المبالغة في الترف والتأنق في الملابس الفاخرة والحرير والديابيج وتتنوع الأقوات ويتعالون في البيوت ويصل بهم الترف إلى غايته في اتخاذ القصور وإجراء المياه فيها وإعلاء الصروح والمبالغة في تزيينها وتنجيدها وهؤلاء هم الحضر وأهل الأمصار وهم من يعملون في الصناعة والتجارة ومكاسبهم أنمى وأرقى من أهل البدو لأن عندهم ما هو زائد عن الضروري وهذه الأجيال طبيعية حسب لفظ ابن خلدون.






حسب هذا المنطق، فإن أساس الوضع الحضاري لأي أمة يستند على وضعها الاقتصادي وسلوكها المعيشي (نمط ووسائل الإنتاج) مما يتولد عنه اجتماع أفرادها في تنظيمات وتكوينات مجتمعية.






البدو أقدم من الحضر وسابق عليه والبادية أصل العمران والأمصار مداد لها.


يدلل ابن خلدون على فكرته القائلة "بأن البدو أصل للمجتمعات كلها وهم تبعاً لذلك أقدم من الحضر" أن الإنسان يبدأ أولا بالسعي للحصول على ما يسد رمقه، ويكفل له استمرارية حياته، وهذه هي بداية كل التجمعات البشرية، ومنها تأتي كلمة بادية، والتي قد تعني من بين معانيها الكثيرة البداية، وبما أن الحضر منشغلون بالترفي والكمالي في أحوالهم، فيستحيل أن يكونوا بحال من الأحوال سابقين على البدو من حيث النشأة، لأن الانشغال بالضروري أقدم وسابق على الانشغال بالكمالي، وبما أن الضروري أصل والكمالي فرع ناشئ عنه فالبداوة أصل للحضارة وسابق عليه، وخشونة البداوة قبل رقة الحضارة، والمدنية غاية للبدوي يجري إليها، ومتى ما حصل على الدعة فيها وصل إلى قيادة المدينة، وهذا شأن القبائل البدوية كلها، أما الحضري فلا يعود للبادية إلا لضرورة تدعوه إليها.





وأهل البدو أقرب إلى الخير من أهل الحضر.


حيث يؤكد ابن خلدون أن النفس إذا كانت على الفطرة الأولى فهي متهيئة لقبول ما يصل إليها إن خيرا فخير وإن شرا فشر مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم( كل مولود يولد على الفطرة) فإذا سبق أليها الخير تبتعد عن الشر ويصعب أن تكتسبه وإذا سبق إليها الشر صعب عليها الخير .


فأهل الحضر يعانون من الترف والإقبال على الدنيا والشهوات وتلوثت أنفسهم بالكثير من المذمومات وبعدت عن الخير ومسالكه حتى أن الحشمة حسب تعبير ابن خلدون ذهبت عنهم فهم يتحدثون بفاحش القول في مجالسهم وعند كبرائهم ومحارمهم لمجاهرتهم بالفواحش قولا وعملا.


أما أهل البدو فهم أقل بكثير من سوء أهل الحضر فهم أقرب إلى الفطرة الأولى وأبعد عما ينطبع بالنفس من سوء لقلة السوء في البادية نسبة للحاضرة حيث أنهم مشغولون في تحصيل أسباب بقائهم ووقت فراغهم لا يكاد يذكر حتى ينشغلوا بأمور الدنيا وملذاتها.فالحضارة هي نهاية العمران وخروجه إلى الفساد، ونهاية الشر والبعد عن الخير ولذلك أهل البدو أقرب إلى الخير من أهل الحضر.






أهل البدو أقرب إلى الشجاعة من أهل الحضر.


السبب حسب ابن خلدون أن أهل الحضر ركنوا للدعة وحياة الترف واطمئنوا على ما عندهم من أموال ورزق بسبب الأسوار المنيعة التي تحيط بهم والحاكم الذي يسوسهم والجنود الذين يحمونهم حتى القوا السلاح وتوالت الأجيال على عدم حمله حتى تنزلوا كما يقول ابن خلدون (منزلة النساء والوالدان) الذين هم عالة على أبيهم وصار هذا خلقا لهم. بعكس أهل البادية لابتعادهم عن الحامية وانتباذهم عن الأسوار فهم يدافعون عن أنفسهم ولا يوكلون غيرهم بأمر الدفاع عنهم ولا يثقون بأحد بهذه المسألة ولذلك هم دائما ما يحملون السلاح ويفزعون خلف كل صيحة وهيعة واثقين بأنفسهم فالبأس لهم خلقا والشجاعة سجيتهم يستجيبون لكل داع وينفرون لكل صارخ وأهل الحضر عالة عليهم إذا ما صحبوهم في البادية لا يملكون شيئا معهم حتى في معرفة النواحي والجهات و موارد المياه


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق